عبدالعزيز الراشدي: الرحلة خزان النصوص، وكتابي الجديد عن أميركا

الدار البيضاء- فاز الكاتب المغربي عبد العزيز الراشدي بجائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة عن كتابه “سندباد الصحراء، رحلات2012” وذلك خلال دورتها التاسعة التي تمّ الاحتفاء فيها بمرور 10 سنوات على تأسيسها. والجائزة يمنحها المركز العربي للأدب الجغرافي ومقره لندن-أبو ظبي، وقد أحيا المركز هذا الأدب في الثقافة العربية منذ تأسيسه سنة 2000. وحول فوزه بهذه الجائزة، والقضايا الفنية التي تطرحها الكتابة الرحلية، كان لنا معه هذا الحوار.

عبد العزيز الراشدي، كاتب مغربي صدر له حتى الآن: “زقاق الموتى”، قصص 2004، و”طفولة ضفدع”، قصص 2005، و”بدو على الحافة”، رواية 2006، و”وجع الرمال”، قصص، 2007، و”غرباء على طاولتي” ، نصوص، 2009، و”مطبخ الحب”، رواية، 2012.

يذهب عبد العزيز الراشدي إلى اعتبار كتابة يوميات الأسفار آلية لإعادة إنتاج الحياة، حيث يقول: “أنا أكتب بالعين، وهذا ما تنبهتُ إليه بعد نصوص عديدة، وانتبه إليه الأصدقاء الذين يقرؤون نصوصي. لقد وجدتُ نفسي مُنصرِفا، بلذة، إلى تأمّل الفضاء وإعادة إنتاجه. وسواء من خلال معاشرة نصوص أدبية، أو معاشرة أمكنة غريبة أو أليفة، يبدو أنني أعبر مفردا باتجاه الأكوان فتنفتح الأبواب أمامي وأكتشف الأسرار. وفي سفري، عبر الدروب والأمكنة والنصوص، أتشرب معرفة ويقينا، وتزيد معرفتي بنفسي على الخصوص. لذلك لم تكن الكتابة عن المكان يوما اختيارا، لقد كانت دائما آلية لإعادة إنتاج حياتي واكتشاف الخفي فيها”.

اختلاف الزمن

وحول الفرق بين الرحالة القديم والرحالة الحديث، يرى الكاتب أن “الرحالة القديم كان يكتب ليقدّم معلومات، لقد كان العالم أمامه مفتوحا على الاكتشاف لذلك كانت مهمته أسهل. اليوم يجد الرحالة نفسه في ورطة، إذ لم يعد هناك ما يمكن اكتشافه بعد انفتاح العالم وظهور وسائل الاتصال الحديثة. فأنت تستطيع رؤية كلّ شبر من العالم من غرفتك. ما يبقى، إذن، للرحالة المعاصر هو ما يتحدث عنه أنريكي أمبرت أندرسون: شُرب العالم وإعادة إنتاجه. لقد زار الملايين باريس، وزار الملايين مكة المكرمة، لكن قدرة الرحالة المعاصر ليس في وصف هذين المكانين وإعطاء معلومات نستطيع قراءتها في الدليل السياحي، بل وقع هذه الأمكنة على نفسه وقدرته على الإدهاش وإقناع القارئ بما يجيش في صدره”.

معنى السفر

ويرى عبد العزيز الراشدي أن للسفر دلالات ثرّة بالنسبة إليه، بل هو يميل إلى كلّ معاني السفر: واقعا وافتراضا. ويضيف قائلا: “وأميل إلى السفر في الداخل والحياة والنصّ، لقد أصبحت أؤمن بأن السفر مصير. ربما هو مصير الكائن في هذا الزمن الصعب، فقد قرأتُ قبل مدة كتابا عن التيه المعاصر لميشيل مافيزولي، وفهمتُ أنّ وجود الإنسان المعاصر مرتبط بالتيه. بالنسبة لتجربتي الذاتية، أيضا، ولأنني من الصحراء، فقد آمنت بعد وقت بأنّ السفر مصير، وهبة أيضا. إنه عنوان البدوي الباحث عن المعنى في عالم متحرك. هناك قصة كتبتها منذ فترة بعنوان “وجع الرمال”، وتحكي عن بدوي يبحث عن المعنى ويسير دون توقف، حين يتوقف يموت، وربما هي صورتي”.

النص والعالم

وحول مسائل أين تبدأ الذات في النص وأين تنتهي ليبدأ العالم؟ وهل تلغي الكتابة الذاتية موضوعية العالم؟ وكيف تحافظ عليه؟ يرى الكاتب أن “المكان امتداد للجسد، كما يردّد الكثيرون، وحين نكون في حالة وئام مع المكان نصنع حالة من النشوة والامتلاء. ولأنّ العالم لايوجد إلا في أذهاننا فنحن نمتلك هبة امتلاكه وتوزيعه وأيضا هبة محوه بمجرد أن نُغمض أعيننا، أي عبر الكتابة. لذلك لا أسأل نفسي عن الذاتي والموضوعي أثناء الكتابة، لا يهمني العالم المتواطؤ عليه، الموهوم بواقعيته. ما يهمني أساسا هو فعل الكتابة والعالم الذي سأبني عبرها، والذي سيعيد تشكيل نفسه في كلّ مرة عبر القراءة في صيغة متزايدة من اللعب واللهو يُتقِنهما القارئ”.

وبصدد المكانة التي يحتلها الآخر في النص الرحلي قياسا إلى الوعي بالمرجعيات والتصورات الثقافية الخاصة، يقول عبد العزيز الراشدي: “أنا من بلد عرف الآخر طوال الوقت، عبر التاريخ، حتى بدأ يتساءل عن هويته، ويقول لنفسه من أنا؟ إن من أكبر الأسئلة إلحاحا في المغرب سؤال الذات، لذلك، تجد المغاربة أكثر الناس حرصا على التواصل مع الآخر ومعرفته، وربما لهذا علاقة برغبتهم في فهم الذات من خلال الآخر. ثم إنّ المرجعيات الثقافية في المغرب متنوعة، ومتداخلة، والتصورات الثقافية مختلفة، وهذا مصدر غنى يفتخر به المغاربة ويتعلمون منه الاختلاف وقبول الآخر.

أنا أيضا من الصحراء، ومن الجنوب الشرقي المغربي تحديدا، وقد كانت قرى هذا الجنوب معبرا للقوافل التجارية بين تمبوكتو ووسط المغرب وشماله، وبين البلدان الأوروبية والصحراء العميقة، وتأمّل هذا الفضاء من خلال تاريخه مفيد أيضا وغني بالدلالات لأنه يقرّبنا من الأصول. والرحلة خزان النصوص والأهواء. إنّها نصّ جامع تتصادى فيه الحيوات والنصوص، ويحدث فيها الانتقال كثيرا بين الحياة والنص في سفر دائم”.

ولأن حقل البحث والتحقيق وكتابة النصوص الرحلية يشهد إقبالا كبيرا من الكتاب والنقاد بالمغرب، يقول الراشدي: “إن المغاربة برعوا في التفكير والبحث والتحقيق منذ زمن بعيد، وربما يرجع السبب في ذلك إلى همة الباحثين واشتغالهم الدؤوب وفضولهم المعرفي وشغفهم بالاكتشاف”.

وأخيرا يقول عن الجائزة إنها: “أسعدتني لأنني من خلالها سأعيد اكتشاف نصي في عيون قراء جدد. إنّها فرصة لإعادة بناء علاقة مع هذا النص. أكتب هذه الأيام نصّا عن أمريكا، وهذه الجائزة أعطتني دفعا قويا. فأنا أنظر إلى الأشياء الإيجابية على أساس أنّها وقود يقرّبني من النص بشكل دائم”.

قد يعجبك ايضا