الإرهاب صناعة مشتركة

ليست هي جديدة الأعمال الأرهابية التي تهدف لإثارة الرعب بين المجتمعات المستقرة. لكن الجديد فيما حدث في باريس أن مواجهته هذه المرة يجب أن تكون مواجهة دولية لا تقتصر على فرنسا فقط.

ما حدث في باريس هو ضمن عمليات ستستمر دون أن نقاتل جميعنا الإرهاب بجميع أشكاله، إرهاب المجموعات الدينية المختلفة.

لنسمي الأشياء بأسماءها، ما يحدث في سوريا وساهم في بزوغ داعش هو الإرهاب الشيعي العلوي الرسمي. وما يحدث في البحرين والعراق من ترويع للآمنين هو إرهاب شيعي إيراني رسمي.

هذا ليس تنصلا سنيا ساذجا من تبعات الإرهاب كما تتهمنا أبواق الإعلام الإيرانية. ففي الساحة السنية ما لذ وطاب من الإرهاب، ما يحدث في السعودية والكويت ومصر والأردن وليبيا والجزائر والصومال يدل صراحة على إرهاب سني يهاجم سنيا أخر.

ولسنا هنا في صدد من علم الآخر تفجير السيارات والهجوم على السفارات وخطف الطائرات.

لا أحد يتبع حركات الإسلام السياسي يستطيع نزع نفسه من دائرة الاتهام بالمشاركة في الإرهاب أو المساعدة بالتحريض والتأجيج والتأزيم عليه.

لذا علينا أن نواجه الحقيقة بشجاعة، الحرب ضد الإرهاب بشكلها الحالي فاشلة، لأنها ليست حربا ضد عدو واضح الموقع والمعالم، بل هي حرب ضد فكر موجود عند كل مأزوم أيا كان دينه ومذهبه، هو في فكر مسؤول الدولة العنيفة، أو عقل مسوؤل الحركة المتعطشة للدم.

لكي نقضي على داعش يجب علينا أن نقضي على الفكر الذي أنتج داعش، لا يمكنك محاربة هذا الفكر دون اجتثاث جذوره وزرع ورعاية الفكر المتسامح.

أوروبا بالقوانين والأنظمة المتسامحة قاتلت الإرهاب، الذي استولى عليها وقتل الملايين وحصد خيراتها خلال قرون، وهي تعيش في نماء ورخاء ويسبح المسلمون إلى شواطئها بحثا عن ملاذ بسبب الفكر المتسامح.

لا يمكنك القضاء على الإرهاب في عالمنا العربي وأنت ترعى الفكر المأزوم شيعيا أو سنيا، لا تستطيق قطع اليد الحاملة لأداة القتل وأنت تترك لها مجال العمل في بداياتها، ثم تضج بعد أن تشب عن الطوق محاولا تدميرها.

الإرهاب ليس قتل الأبرياء فقط بل هو قتل الأفكار الجميلة ومحاربة التسامح الإنساني، والتضييق على الحريات.

هل يمكنك انتظار شباب مستامحين وأنت تضيق عليهم سبل العيش والحياة الكريمة؟.

هل تريدهم أن يعيشوا في قرون وسطى بينما العالم يندفع بسرعة الصواريخ لمستقبل مضيء؟.

مهما حاولت تطويع التقنية لخدمة التخلف، فسيتمرد عليك الشباب، وسيجدون لهم طرقا مختلفة عنيفة في طابعها، إما داعشية دموية أو عبثية مخدرة، وكلاهما يؤدي بالنفس للمهالك.

ولقوى العالم الكبرى. كيف لهم أن يقاتلوا التطرف وبعضهم يرى في نظام بشار الأسد نظاما شرعيا يستحق الحكم؟، أبعد كل هذه الحمم التي يلقيها على شعبه من السماء يصبح له مشروعية البقاء؟. ولبعضها الآخر، لماذا هذا الضعف في مواجهة قوى الشر؟، لمحاربة التطرف يجب عليك القضاء على إرهاب الدولة قبل إرهاب الحركات.

ولنا نحن، إلى متى هذا الصمت المثير للشك على أصوات التطرف والتأزيم والتحريض؟، لا نريد منكم تكميم الأفواه المطالبة بالعدالة الاجتماعية وحرية الرأي، لكن نريدكم أن تقفوا بقوة ضد من يحرض ويساند الحركات الإرهابية، التي وضعتم لنا قائمة تضمها، وطالبتمونا أن لا ننخرط أو نثق فيها، بينما أنتم أول من وثق فيها وتركها تعمل بين شبابنا، ثم ضججتم من الضحايا وهي تحت تأثير من أطلقتم حناجره ليغرر بها دون أن تحموها.

الإرهاب لدينا تمارسه حركات الإسلام السياسي سنية وشيعية، تزرعه بهدوء وبصبر تحت أنظارنا وبعضنا يرعاه بصمته والآخر بماله وشبابه. تريدون القضاء على الإرهاب، أعيدوا لنا ديننا المتسامح وقاتلوا حركات الإسلام السياسي المدمرة، أو دون ذلك خرط القتاد.

في الختام، الإرهاب صناعتنا نحن جميعا، سنة وشيعة، عرب وفرس وروم. ويوجد فسطاطين فقط؛ فسطاط التحضر والتسامح وفسطاط التعصب والنفاق في التعامل مع الإرهاب.

قد يعجبك ايضا